العود الهندي:
وهو: عود يجاء به من الهند يجعل في البخور والدواء وهو القسط قال أبو عمرو يقال لهذا البخور قسط وكسط وكشط ([1])
ويقول الدكتور كمال المويل: ((القسط بضم القاف وسكون السين هو العود، فيصح أن نقول: القسط البحري ويصح أن نقول: العود البحري، ويقال مثل هذا في الهندي.
والقسط نوعان:
النوع الأول هو البحري أو الأبيض أو الحلو.
والنوع الثاني: هو الهندي أو الأسود أو المر.
والهندي أشد حرارة من البحري، وهذا العود يؤخذ من نبتة القسط التي يبلغ ارتفاعها متر ونصف متر، ولها أوراق وساق وجذور، وهو يعيش في الهند، والقسم المستعمل منه في العلاج هو جذور قشوره التي تكون بيضاء أو سوداء، وسمي البحري لأن العرب كانت تجلبه عن طريق البحر، وأما تسميته بالحلو أو المر فذلك متعلق بطعمه)) ([2]).
النصوص الواردة في عود القسط وشرحها:
ما خصائص هذا العود وماذا يعالج هذا ما سيتبين لنا في النصوص النبوية الآتية:
1- عن أنس رضي الله عنه قال: (إن أفضل ما تداويتم به الحجامة، والقسط البحري، ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز) ([3])
(لا تعذبوا صبيانكم بالغمز) معناه لا تغمزوا حلق الصبي بسبب العذرة، والعذرة هو وجع في الحلق يهيج من الدم، وقيل: قرحة تخرج بين الأنف والحلق، ولعله ما يسمى الآن بالتهاب اللوزات ([4])
2- وعن أم قيس بنت محصن ([5]) قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية، يستعط به من العذرة، ويلد به من ذات الجنب) ([6]).
(((عليكم) اسم فعل بمعنى خذوا والزموا. (العود الهندي) خشب طيب الرائحة يؤتى به من الهند قابض فيه مرارة يسيرة، وقشره كأنه جلد موشى)) ([7]).
(((يستعط) بصيغة المجهول مخففا، وروى مشددا، وهو مأخوذ من السعوط، وهو ما يصب في الأنف؛ بيان كيفية التداوي به أن يدق العود ناعما ويدخل في الأنف، وقيل: يبل ويقطر فيه قاله القاري)) ([8])
(يلد): من اللدود وهو ما يصب في أحد جانبي الفم من الدواء.
(ذات الجنب): هو ورم الغشاء المستبطن للأضلاع ([9]).
(ذات الجنب) في النهاية هي الدبيلة، والدمل الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب، وتنفجر إلى داخل، وقلما يسلم صاحبها. وذو الجنب الذي يشتكي جنبه بسبب الدبيلة ([10]).
والسبب في تسميته بذات الجنب، لأن ((كل وجع في الجنب قد يسمى ذات الجنب اشتقاقا من مكان الألم، لأن معنى ذات الجنب: صاحبة الجنب، والغرض به هاهنا وجع الجنب)) ([11]).
3- عن أم قيس بنت محصن الأسدية أسد خزيمة، أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها قد أعلقت عليه من العذرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (علاما تدغرن أولادكن بهذا العلاق، عليكن بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب) ([12]).
قال المباركفوري: (((قد أعلقت عليه) في النهاية الإعلاق معالجة عذرة الصبي، وهو وجع في حلقه وورم تدفعه أمه بأصبعها أو غيرها.
وحقيقة (أعلقت عنه) زالت العلق عنه وهي الداهية. انتهى)).
وقال العيني في عمدة القاري: وهو غمز الحلق بالأصبع، وذلك أن الصبي تأخذه العذرة وهي وجع يهيج في الحلق من الدم، فتدخل المرأة أصبعها فتدفع بها ذلك الموضع وتكبسه، وأصل الدغر الدفع. انتهى.
قال القاري: والمعنى على أي شيء تعالجن أولادكن وتغمزن حلوقهم (بهذا العلاق) أي بهذا العصر والغمز، قال الطيبي: وتوجيهه أن في الكلام معنى الإنكار، أي على أي شيء تعالجن بهذا الداء الداهية والمداواة الشنيعة (عليكن بهذا العود الهندي ([14])
وقال ابن القيم:
((ذات الجنب عند الأطباء نوعان: حقيقي وغير حقيقي.
فالحقيقي: ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع.
وغير الحقيقى: ألم يشبهه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات، فتحدث وجعا قريبا من وجع ذات الجنب الحقيقي، إلا أن الوجع في هذا القسم ممدود وفي الحقيقية ناخس.
ويلزم ذات الجنب الحقيقي خمسة أعراض: وهي الحمى، والسعال، والوجع الناخس، وضيق النفس، والنبض المنشاري)) ([15]).
ويقول د. كمال المويل: ((وما يسميه الأطباء القدماء غير الحقيقية هو أقرب ما يكون في الطب الحديث إلى الريح الصدرية، وما يسمونه ذات الجنب الحقيقية ينطبق على ذات الجنب الجرثومية، وذات الجنب الحموية، وذات الرئة الجرثومية كاختلاط لذات الجنب الجرثومية)) ([16] ).
وقال الحافظ ابن حجر:
((ذكرت الأحاديث نوعين من القسط هما: البحري والهندي، وهو محمول على أنه وصف لكل ما يلائمه، فحيث وصف الهندي كان لاحتياج في المعالجة إلى دواء شديد الحرارة، وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة؛ لأن الهندي كما تقدم أشد حرارة من البحري .
(فإن فيه سبعة أشفية) كذا وقع الاقتصار في الحديث من السبعة على اثنين، فإما أن يكون ذكر السبعة فاختصره الراوي، أو اقتصر على الاثنين لوجودهما حينئذ دون غيرهما ..
ويحتمل أن تكون السبعة أصول صفة التداوي بها، لأنها إما طلاء، أو شرب، أو تكميد، أو تنطيل، أو تبخير، أو سعوط، أو لدود)) ([17]).
المكتشفات العلمية.
وفيها تظهر صدق ما أخبر به الرسول ص بلغة الأبحاث العلمية والتجارب فإلى هذه المكتشفات:
قال الدكتوركمال المويل:
- ((يحتوي القسط على مادة الهيلينين وحمض البنزوات، وكلاهما من المواد المطهرة القاتلة للجراثيم، ومن هنا تظهر فائدة القسط في علاج التهاب اللوزات، والتهاب اللهاة، والتهاب البلعوم.
- كما أن احتواء القسط على هذه المواد المطهرة القاتلة للجراثيم، يعلل فائدة القسط في علاج ذات الجنب الجرثومية، وذات الرئة الجرثومية، أما إذا كانت ذات الجنب فيروسية فإن القسط يفيد في الوقاية من اختلاطاتها كالتصاق الوريقات الجنبية.
- أن غمز العذرة ليس فقط أنه لا يفيد في العلاج، بل وكذلك يضر، فهو يسبب ألما شديدا للمريض، وقد يسبب نزف الدم، وقد يسبب انتشار الالتهاب إلى المناطق المجاورة، وقد يسبب انتقال الجراثيم الممرضة إلى الدم، وبالتالي تجرثم الدم)) ([ 18]).
استخدامات عود القسط حديثا:
بما أن عود القسط يحتوي على المواد المطهرة والقاتلة للجراثيم، فيمكن استخدامها في المستقبل لعلاج التهاب اللوزات أو أي أمراض جرثومية أو فيروسية.
وجه الإعجاز:
أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعض فوائد العود الهندي وأن من فوائده:
1- يستعط به من العذرة.
2- ويلد به من ذات الجنب.
3- نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن غمز العذرة، وهذا يدل على أن هذه الطريقة غير صحيحة في علاج هذا المرض.
ذات الجنب الحقيقية ما تسمى اليوم ذات الجنب الجرثومية، وذات الجنب الحموية، وذات الرئة الجرثومية كاختلاط ذات الجنب الجرثومية.
وغير الحقيقية ما تسمى اليوم في الطب الحديث بالريح الصدرية.
والعلم الحديث أثبت فوائد العود الهندي وهي:
أنه يحتوي على المواد المطهرة القاتلة للجراثيم، ومن هنا تظهر فائدة القسط في علاج التهاب اللوزات، والتهاب البلعوم، وهو المقصود بالعذرة في الأحاديث.
كما يعلل احتواءه على هذه المواد المطهرة القاتلة للجراثيم في علاج ذات الجنب الحقيقية وغير الحقيقية.
ويبين لنا العلم الحديث أن غمز العذرة بالضغط بالإصبع على مكان الألم لا ينفع، بل قد يؤدي إلى مضاعفات للمرض، وهذا يعلل النهي عن غمز العذرة.
إن هذا التوافق في كل ألفاظ الحديث مع الاكتشافات العلمية يظهر وجه الإعجاز:
فهذا الكلام عن عود القسط وقع في عهد الناقة والجمل قبل ألف وأربعمائة عام، وهم بعد هذه السنين يصدقونه ويؤكدون فاعليته بالأبحاث والتجارب في عهد النهضة العلمية، لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وبكل تأكيد إن هو إلا وحي يوحى.
([1]) لسان العرب لابن منظور (7/377)
([2]) الإعجاز الطبي في السنة النبوية .د. كمال المويل (ص: 147- 148).
([3]) صحيح مسلم: كتاب المساقاة، باب حل أجرة الحجامة (3/1204) برقم (1577).
([4]) صحيح مسلم: كتاب المساقاة، باب حل أجرة الحجامة (3/1204) تعليق محمد فؤاد عبد الباقي، وصحيح البخاري: كتاب الطب، باب السعوط بالقسط الهندي والبحري: تحقيق: د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة (5/2155).
([5]) أم قيس بنت محصن بن حرثان الأسدية أخت عكاشة بن محصن أسلمت بمكة قديما، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجرت إلى المدينة يقال إن اسمها أمية حكاه أبو القاسم الجوهري في مسند الموطأ، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (8/280)، وتهذيب الكمال للمزي (35/379).
([6]) صحيح البخاري، باب السعوط بالقسط الهندي البحري، تحقيق د. مصطفى ديب البغاء (5/2155) برقم (5368).
([7]) المصدر السابق.
([8]) عون المعبود (10/258).
([9]) صحيح البخاري: كتاب الطب: تحقيق: د. مصطفى ديب البغا (5/2155).
([10]) سنن ابن ماجة (2/1146).
([11]) زاد المعاد لابن القيم، الطب النبوي (4/74).
([12]) صحيح البخاري: كتاب الطب، باب اللدود (5/2159) برقم (5383).
(([14]) عون المعبود (10 / 257-258).
([15]) زاد المعاد: الطب النبوي (4/74).
([16]) الإعجاز الطبي في السنة النبوية .د.كمال المويل (ص: 150).
[17]) فتح الباري لابن حجر (10/149).
([18]) الإعجاز الطبي في السنة النبوية.د. كمال المويل (ص: 150-151).
ليست هناك تعليقات