العَسَلُ في الدنيا هو لُعاب النَّحْل وقد جعله الله تعالى
بلطفه شِفاءً للناس والعرب تُذَكِّر العَسَل وتُؤنِّثه وتذكيره لغة معروفة
والتأْنيث أَكثر.
([1])
ويكفي في
هذا السائل العجيب أن الله مدحه في القرآن، وأخبرنا عنه بأنه:﴿ ﮥ ﮦ ﮧ﴾[النحل:
69] وهو مدعاة للتفكر، قال تعالى: ﴿ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﴾[
النحل: 68-69] وسميت سورة بأكملها باسم الحشرة التي
تقوم بإنتاج هذا السائل ( سورة النحل) وهو في السنة النبوية الصحيحة أحد أسباب
الشفاء، وهو من خير الأدوية، وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- تخبرنا عن أهميته وفوائده.
وقد وردت نصوص متنوعة تبين أهمية العسل منها قوله تعالى: ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮧﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﭼ [النحل: 69،68]
أولاً: شرح الآية: (فيه شفاء للناس )
يقول
الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى شارحاً هذه الآية:
وقد
اختلف أهل العلم هل هذا الشفاء الذي جعله الله في العسل عام لكل داء، أو خاص ببعض
الأمراض، فقالت طائفة: هو على العموم، وقالت طائفة: إن ذلك خاص ببعض الأمراض، ويدل
على هذا أن العسل نكرة في سياق الإثبات فلا يكون عاماً، وتنكيره إن أريد به
التعظيم لا يدل إلا على أن فيه شفاء عظيماً لمرض أو أمراض لا لكل مرض، فإن تنكير
التعظيم لا يفيد العموم، والظاهر المستفاد من التجربة ومن قوانين علم الطب أنه إذا
استعمل منفرداً كان دواء لأمراض خاصة، وإن خلط مع غيره كالمعاجين ونحوها كان مع ما
خلط به دواء لكثير من الأمراض، وبالجملة فهو من أعظم الأغذية، وأنفع الأدوية،
وقليلاً ما يجتمع هذان الأمران في غيره ([2]).
وجاء في تفسير قوله تعالى:﴿ ﮥﮦﮧﮨ ﴾[النحل:69]
في زاد المسير ما يلي:
في هاء الكناية ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ترجع إِلى العسل، رواه
ابن عباس، وبه قال ابن مسعود. واختلفوا، هل الشفاء الذي فيه يختص بمرض دون غيره، أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أنه عامّ في كل مرض. قال
ابن مسعود: العسل شفاء من كل داء. وقال قتادة: فيه شفاء للناس من الأدواء.
والثاني: فيه شفاء للأوجاع التي شفاؤها فيه،
قاله السدي. والصحيح أن ذلك
خرج مخرج الغالب.
قال ابن الأنباري: الغالب على العسل أنه يعمل في الأدواء، ويدخل في الأدوية، فإذا
لم يوافق آحادَ المرضى فقد وافق الأكثرين، وهذا كقول العرب: الماء حياة كل شيء،
وقد نرى من يقتله الماء، وإِنما الكلام على الأغلب.
([6])
ويقول الإمام
القرطبي اختلف العلماء في قوله تعالى:﴿ ﮥ ﮦ ﮧﮨ﴾ هل هو على عمومه أم
لا؛ فقالت طائفة: هو على العموم في كل حال ولكل أحد، فروي عن ابن عمر أنه كان لا يشكو قرحة ولا شيئاً إلا جعل عليه عسلاً، حتى الدمل
إذا خرج عليه طلى عليه عسلا، وحكى النقاش عن أبي وجرة([10]) أنه كان يكتحل بالعسل ويستمشي بالعسل ويتداوى بالعسل، وروي أن
عوف بن مالك الأشجعي مرض فقيل له: ألا نعالجك؟ فقال: ائتوني بالماء، فإن الله تعالى
يقول: ﭽ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣﭼ [ق: 9] ثم قال:
ائتوني بعسل، فإن الله تعالى يقول: ﭽ ﮥﮦ ﮧ ﭼ[ النحل: ٦٩]
وأتوني بزيت، فإن الله تعالى يقول : ﭽ ﯞﯟﯠﭼ [النور: 35] فجاءوه
بذلك كله فخلطه جميعا ثم شربه فبرئ، وقالت طائفة: إن ذلك على الخصوص ولا يقتضي
العموم في كل علة وفي كل إنسان، بل إنه خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من الأدوية
في بعض وعلى حال دون حال، ففائدة الآية إخبار منه في أنه دواء لما كثر الشفاء به
وصار خليطاً ومعيناً للأدوية في الأشربة والمعاجين، وليس هذا بأول لفظ خصص فالقرآن
مملوء منه ولغة العرب يأتي فيها العام كثيراً بمعنى الخاص، والخاص بمعنى العام.
ومما يدل على أنه ليس على العموم أن "شفاء" نكرة في سياق الإثبات، ولا
عموم فيها باتفاق أهل اللسان ومحققي أهل العلم ومختلفي أهل الأصول. لكن قد حملته
طائفة من أهل الصدق والعزم على العموم. فكانوا يستشفون بالعسل من كل الأوجاع
والأمراض، وكانوا يشفون من عللهم ببركة القرآن وبصحة التصديق والإيقان.([12])
([1]) لسان العرب (11/ 444).
([12]) الجامع لأحكام القرآن (10/ 136) بتصرف.
ليست هناك تعليقات